كلمة
الإصلاح هذه المرة ستتوجه إلى منظمة تيار الفكر الجديد لترحب أولا بهذا
الفكر الجديد الذي تأخر ميلاده كثيرا عن وقته، ولتشيد بأهدافه النبيلة التي
عبر عنها في هذا الفكر الجديد.
وقبل الدخول في موضوع تلك الأهداف ومساعدة هذا الفكر في إبراز الأولويات
التي ينبغي أن يبدأ بها عمل فكره الجديد ـ أود أن يسمح لي شباب الفكر
الجديد في كتابة مقدمة تتعلق بالشباب والشباب المسلم بالذات.
فمن المعلوم أن الإسلام بمعنى الدين الإسلامي خاصة هو الذي حدد أبعاد هذا
الإنسان الذي يشمل الشباب مع الإنسانية جمعاء، كما حدد لكل من يعتنقه
الأفكار التي يجب ألا تـتجاوزها أفكاره وطموحاته.
فالإنسان المسلم يعرف أن الإسلام بالرغم من جعله الإنسان هو قطب هذا الكون
بأسره وأن الكون خلق لأجل هذا الإنسان وسوف ينتهي بانتهاء آخر حياة لهذا
الإنسان داخل هذه الكون إلا أنه حدد مدى قوة هذا الإنسان ومدى مكثه فوق
هذه الأرض وما المراد من خلقه وحدد كذلك مدى قوة سمعه وبصره ومدى علمه.
ويتـلخص كل ذلك في أن الإنسان محاصر لا يستطيع إطلاق فكره في أي جهة أرادها
فهو قبل ميلاده لم يكن شيئا مذكورا وبعد موته لم يبق شيئا يستطيع تنفيذ
أفكاره، إلا أنه قبل ميلاده غير مسؤول وبعد موته فهو ذاهب إما إلى الجنة أو
إلى النار نتيجة عمله الفكري والعملي.
وبما أن الإنسان يجهل مدة حياته في الدنيا إلا أن مدة شبابه في هذه الحياة
هو تقسيـــــم 3/1، كما قال تعالى (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد
ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء).
والوصول إلى هذه القوة غير مضمون كما قال تعالى (وهو الذي خلقكم من تراب ثم
من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا
ومنكم من يتوفى من قبل).
فكم من والد دفن كثيرا من أولاده قبل أن يدفنوه مع أن المسؤولية واحدة على الجميع مهما طال العمر أو قصر.
فبعض المفسرين فسر قوله تعالى (أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر) أي ألم نبلغكم ستين سنة من العمر.
وبعض المفسرين فسرها بأن معناها ألم نبلغكم ثمانية عشرة سنة وعلى كل حال
فقوله تعالـى (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) تعنى الجميع قطعا.
ونظرا إلى ذلك كله فأنا أعرف أن الشباب المسلم يعرف ويتـيـقن فحوى هذه المقدمة إلا أن التنبيه عليها تنبيه على الواقع لا محالة.
وهنا أصرح بأن استماعي في عشية الثلاثاء الأولى من هذه السنة إلى جميع ما
دار داخل استديو صحراء ميديا من مناقشة لقضية تغيير كلمات النشيد الوطني من
طرف شباب تيار الفكر الجديد وعلى رأس هذا الشباب السيد الشيخ الشاب محمد
بن غده ــ جعلني أكتب إلى شباب الفكر الجديد ما أرجوه أن يكون عونا له على
تسلسل تنفيذ أولويات فكره الجديد، كما أرجوا أن يسمحوا لي قبل ذلك أن أدخل
قلمي لأعلق على مناقشة فكرة تغيـير النشيد الوطني لأقـول للأخ الشيخ الشاب
محمد بن غده أولا أني أشكره واغتبط له الموقف الذي تحلى به من رحابة الصدر
وسعة الأفق بالرغم من الاتهامات الكثيرة التي وجهت إليه بمجرد أنه ينتمي
إلى قبـيلة الرئيس مع أن الإسلام يقول (ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع
مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى).
وبالرغم من ذلك الإعجاب إلا أني تعجبت أكثر أن يكون هذا الشخص على ذلك
المستوى من الثقافة وسعة الأفق وفي نفس الوقت عندما أراد أن يعلل عزم شبابه
على طرح قضية تغيـير النشيد الوطني في أول إطلالة يطل بها على الشعب
الموريتاني يعلل ذلك بأن كلمات النشيد الوطني لا تلامس شعور جميع الشعب
الموريتاني وأنه لم يرد فيه ذكر للوحدة الوطنية ولا حوزة التراب الوطني إلى
آخر ما قال.
وأغرب ما جاء في ذلك التعليل هو أن كلمات النشيد وربما تلحينه معه قد أخجل كثيرا من المثقـفين الموريتانيين مع زملائهم في الخارج.
وأنا بالرغم من احترامي لكل فكر يتبادر إلى ذهن أي إنسان ويدخل شغاف قلبه
أنه هو الاتجاه الصحيح في الموضوع المطروح، إلا أنني أظن أن أي شخص حتى ولو
كان غير مثـقـف يدرك أن الشعور والإحساس والتفاعل مع المسموع يختـلف من
شخص لآخر ولاسيما إذا كان هذا المسموع مكث هذا القدر من الزمن والموريتاني
ولا سيما السواد الأعظم من الموريتانيين بمعنى 99% يبدأ من الأمي وهم أكثر
عددا حتى يصل إلى المثـقـف الذي يجد نفسه ضد هذه الفكرة ـ وهذا النشيد عند
ما يسمعونه وينساب في الجسم حتى يصل إلى عروق القـلب من الشعب الموريتاني
ولا سيما أن عدم هذا الإحساس والشعور معلل برفض جهة خارجية لا يعنيها ما
يحرك شعور وإحساس الشعب الموريتاني ومعلوم أن الموريتاني لا يحرك شعوره
وإحساسه ما يحرك شعور وإحساس الآخرين.
وهنا أضرب مثلا بسيطا لاختلاف ما يحرك الشعور من شعب إلى شعب بل من جهة من الشعب الواحد إلى جهة أخرى منه.
فمثلا عندما يسمع المصري صوت فنانتهم أو معبودة شعورهم وإحساسهم أم كلثوم
وهي تنشد كلمات: هذه ليلتي وحلم حياتي ويلحنها الملحن فعندما تكون حاضرا
أيها الشاب والشيخ لمجلس للعلماء أو حتى مجلس للتعزية ويدخل في أذنهم ذلك
الصوت ويخرج من الأخرى فسوف ترى أن هذا الشعور والإحساس طار بكل الجماعة
إلى حالة تـتـنافي بعيدا مع موضوعهم الحالي.
وعند ما نضع هذا الصوت بين الموريتانيين فسوف ترى الحاضرين لا يظنون أن هـذا غنـــاء يطرب أي سامع.
هذا من جهة وتــتـبع الاستدلال عليه والكتابة فيه تطول أكثر فأكثر ولكن
نعود إلى جانب آخر أكثر دلالة على عدم أهمية تغيـير هذا النشيد.
فمن المعروف عن الشعب الموريتاني أن أهم خصائصه هو وحدته الإسلامية وأصالة
كل ما هو إسلامي حتى أن الفنانين الموريتانيين عند ما يبدؤون في فنهم
الغنائي لا يحرك شعورهم ولا شعور السامعين إلا إذا بدءوا بتـلحين كلمة
الشهادة "لا إله إلا الله" ولا يمكنهم أن يدخلوا تلحين "الشور" مباشرة إلا
بعد تلحين تلك الشهادة مرات إلى آخر ما نعرف جميعا. فهل يمكن أن يقال لهم
لا تبدؤوا بتلحين الشهادة فهذا يمس شعور الآخرين.
ولعلمكم أنتم أيها الشباب أن هذه الصفة من الفن الموريتاني يتقزز كثير من
المثـقـفين في الخارج منها حتى ولو كان فن أهل عو في الشرق وفن أهل الميداح
في الغرب وليس هذا وحده المقزز من تقاليدنـا وعادتــنا في الخارج.
فكم يتـقزز الأجنبي عندما يرى أحدنا يلبس دراعة (أزبي ) مجـيـبة بقميصها
وسربالها وصاحبنا عند ما يدخل بها على أي موريتاني تقضي له حاجته في الحين
لوجاهة ثوبه في المجتمع بينما الآخرون يحسبون أنها قبـة مظلات نزل بها
الشخص من السماء إلى الأرض. ولكننا نعتز بجميع شعورنا وتقاليدنا.
ومن هنا نعود إلى كلمات النشيد لنـقول إنها في قمة ما يحرك الشعور والإحساس
الموريتاني. فهي تبدأ أولا بطلب نصر الله ومعلوم عند الجميع أن من ينصر
الله ينصره كما في الذكر الحكيم (إن تنصروا الله ينصركم) إلى آخر الآية
وتـثني بإنكار المنكر ومن أنكر المنكر فمعنى ذلك أنه يأمر بالمعروف وهذه
قمة ما طلبه المولى عز وجل من السلطات في الدولة المسلمة يقول تعالى:
(الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف
ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور).
ورأس المقطع الثاني: الأمر بأن يكون الشخص دائرا مع الحق الذي يرضى الله وهذه هي قمة العدالة والشهامة وصدق الطوية.
أما باقي المقاطع فهي كما ذكرتم في تلك المناقشة أن صاحب الكلمات هداه الله
إلى مكافحـة جميع ما أحدثه المسلمون في دينهم من ما لم يرد في كتاب الله
وهو محفوظ لدينا وما لم ترد به سنة من الرسول الله صلى الله عليه وسلم وهي
أيضا محفوظة لدينا وما لم تفعله أهل القرون المزكاة وذلك جاء في بيت القصيد
من النشيد وهو قوله: "فما كفى أولنا أليس يكفي الآخرا".
وباختصار فإن المواطن المسلم المخلص هو الذي نصيحته للمواطن تنجيه من عذاب
الآخرة قبل أن تجلب له نفعا في الدنيا وهذا النشيد ما زال موضوعه محتاج له
حتى يومنا هذا فكم من شخص موريتاني مات وقدم إلى الله وهو يجر معه عقيدة
خاصة أخذها من شخص آخر غير مرسل من عند الله حتى ولو كانت من جنس العبادة
إلا أن العبادة التي نص عليها الكتاب والسنة لا تحتاج إلى تكميل وأنا أتمنى
لكل من مات يحمل معه طريقا أن يجد لها مبررا عند الله مع جهلنا نحن في
الدنيا لهذا المبرر فمن مات لا يعود ليخبرنا بما لقي من الله وهو يحمل معه
طريقة لقنها له شخص آخر، مع أننا ولله الحمد لا يزيدنا رجوع الموتى عقيدة
فيكفينا القرآن والسنة المحفوظين وقوله تعالى: (وكفى بالله وكيلا).
ولذا أقول في شأن النشيد لرئيس تيار الفكر الجديد لو استمعت أيها الشاب
رئيس تيار الفكر الجديد لأستاذ سواء كان عسكريا أو مدنـيا يشرح الكلمات لمن
عليه تـلحـينها ويغوص في معناها الما ورائي لرضيت بعمق المعنى المستوعب
من طرف المتـلقي قبل أن يلفت شعورك التــلحين.
والكلام في هذه الفكرة يطول وسوف انـتـقـل منه إلى أولويات أهداف تيار الفكر الجديد أعانه الله على تحـقيقـــها.
وأول ما أقول له إن الليــلة التي كانوا يناقـــشون فيها تغـيــير النشيد
الوطني تلك اللـيلة لم تكن نواكشوط عاصمة دولة إسلامية حيث الشوارع
امتـــلأت من السكارى والمعربدين وامــتلأت كذلك من الفواحش ما ظهر منها
وما بطن لأنها ليلة رأس السنة الميلادية التي جعلها أهل الفسوق نارا تلظي
في عاصمة الجمهورية الإسلامية الموريتانية فكان على هذا التيار أن يجرد من
نفسه مليشيات أو كشافة يضربون فيها تلك اللـيلة على يد الفاسق أو يعينوا
مستـغاثا من بطش السكارى والمعربدين إلى آخره أنظروا الجرائد تخبركم عن ما
يندى له جبين المسلم سواء كان شابا أو شيخا.
وأود الآن أن أذكر الأولويات التي على هذا التيار أن يبدأ بها فكره الرائد الجديد:
أولا: أن يحرس على أن يكون هذا الشباب يشتمل على جميع الشرائح الموريتانية
ثانيا: أن يكون منه مليـشيات أو كشافة تعمل دوريات كل ليلـة في الأحياء ولا
سيما أحياء الترحيل لأن نلك الأحياء أصبحت تحت رحمة اللصوص المتـنوعين:
لصوص السرقة ولصوص الفواحش.
فلـعلمكم أن موريتانيا ولا سيما نواكشوط لا توجد فيها الآن دوريات للأمن
لأن الإدارة التي هي المسؤولة عن الأمن ونائبة عن رئيس الجمهورية غائبة
ولم تعد تتعب نفسها عن السؤال عن الأمن في المدينة ولمصداق ذلك أدخلوا على
الحكام واسألوا كم من دورية جابت شوارع مقاطعتكم البارحة، وهل هي راجلة أو
محمولة وأين تقريرها؟.
فالشرطة أصبحت تسجل الحوادث إذا وصلها الخبر عنها وترسل نسخة من تسجيـلها
للحاكم أما منع الجريمة قبل الوقوع أصلا فلابد له من إمكانيات وحوافز
وتـتبع وكل هذا تـناساه المسؤولين عنه، وسوف تلاحظون ذلك عندما تقومون
بدورياتـكم في المقاطعات فسوف لا ترون الدرك الذين أسند لهم الرئيس أغلبية
مراعاة الأمن، ولا غيرهم إلا في الشارع العام.
ثالثا: إن الخجل كل الخجل أنكم تـنـتمون إلى دولة لا لغة لها مكتوبة في
إدارتها تعبر عن هويتها وهذا هو الذي على الأخ رئيس تيار الفكر الجديد أن
يخـجله، فـلو دخل على أي وزارة فسوف لا يري من العربية التي نسبت الدولة
إليها نفسها إلا عناوين الاسـتـمارات.
فبالرغم من أن الدسـتور في مادته السادســة قال إن اللغات الوطنية هي
العربية والبولارية والولفية والسونكية وإن اللغة العربية هي الرسمية ولم
يذكر أي لغة أخرى، فإن الدولة الرسمية بمعنى ما يوقع عليه الرئيس والوزراء
والمدراء لا توجد فيه كلمة واحدة عربية تتماشى مع هذا الدسـتور إلا قليلا
لا يمثل شيئا.
وأنا عند ما ذكرتم أنكم تبرعتم بمساعدة فقراء لتقويتهم في الدراسة ففكرت في
أي لغة قويتموهم فيها فإذا كانت العربية فلا فائـدة في التـقوية فيها
فجميع ما في السوق من الباعة المتجولين وسكان النقطة الساخنة هم من حملة
الشهادات العربية المتوسطة والعلـيا، ولكن لغـتـهم غير مكتوبة في الإدارة
لذا لم يجدوا عملا فعملوا عمل الأميين لأجل ضمان العيش.
فعلى هذا الشباب أن يشـكل لجنة خاصة لهذا الغرض ويدخل في كل مكتب ولا سيما
في وزارات السيادة ليجدوا أنفسهم بين الأرشيف في مدن فرنسية، ويعالجون قضية
التعريب حتى يقـل الخجل الموريتاني من هذه الصورة المزرية.
رابـعا: يشـكـلون لجنة تقوم بجميع التبرعات للفقراء الذين لا دخل لهم والأسعار مرتفعة ولا سيما في أحياء التـرحيل.
بعد أن يقوموا بهذه الأولويات وأمثالها فعندئذ يفكرون في تغــيـير الأشياء
المشـتـركة بين الشعب حتى يعرفوا أهمية تغيـيرها وأولها تغـيـير اسم
العاصمة نواكشوط لأنه هو الذي يخجل الجميع حقيقة.
وقبل أن يرى هذا كله النور نتـمنى لكم ولأمثـال أفكاركم الجديدة مزيدا من التوفــيــق والنجاح.